شارع الأعشى، الواقع في حي منفوحة بمدينة الرياض، يُعد من الشوارع التاريخية التي تحمل بين جنباتها إرثًا ثقافيًا واجتماعيًا عريقًا. سُمِّي الشارع نسبةً إلى الشاعر الجاهلي ميمون بن قيس، المعروف بـ”الأعشى”، الذي وُلد وعاش في منفوحة. هذا الشارع لم يكن مجرد ممر حيوي في المدينة، بل كان شاهدًا على تحولات تاريخية واجتماعية مهمة.
التاريخ والتسمية
منفوحة، التي يُعتقد أن تأسيسها يعود إلى القرن الرابع الميلادي، كانت موطنًا للشاعر الأعشى، الذي خلدها في أشعاره. نتيجةً لذلك، أُطلق اسمه على أحد أبرز شوارعها، ليصبح “شارع الأعشى” معلمًا بارزًا في الرياض. هذا الشارع كان يمثل شريانًا حيويًا يربط بين أجزاء المدينة، وشهد العديد من الأحداث التاريخية التي أسهمت في تشكيل هوية الرياض.
التحولات العمرانية والاجتماعية
مع مرور الزمن، شهد شارع الأعشى تحولات عمرانية كبيرة. فقد كانت منفوحة تتميز بمبانيها الطينية التقليدية، ولكن مع التوسع الحضري، تم استبدال العديد من هذه المباني بمنشآت حديثة. ورغم ذلك، لا تزال بعض المعالم القديمة قائمة، مثل المرقب التاريخي، الذي يروي قصص الماضي. هذه التحولات لم تقتصر على البنية التحتية فقط، بل شملت أيضًا التغيرات الاجتماعية والثقافية التي انعكست على سكان الحي.
“غراميات شارع الأعشى”: من الرواية إلى الشاشة
في عام 2013، أصدرت الكاتبة السعودية بدرية البشر روايتها “غراميات شارع الأعشى”، التي تسلط الضوء على الحياة في منفوحة خلال السبعينيات. تتناول الرواية قصص ثلاث فتيات يسعين لتحقيق أحلامهن في مجتمع محافظ، مستعرضة التحديات الاجتماعية والثقافية التي واجهنها. حازت الرواية على اهتمام واسع، ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2014.
بناءً على نجاح الرواية، تم تحويلها إلى مسلسل درامي بعنوان “شارع الأعشى”، عُرض في رمضان 2025 على قناة MBC 1. المسلسل من إخراج أحمد كاتيكسيز، وبطولة إلهام علي، وخالد صقر، وتركي اليوسف، ولمى عبد الوهاب. استطاع المسلسل أن يجسد الحياة في الرياض خلال السبعينيات والثمانينيات، مسلطًا الضوء على التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع السعودي في تلك الفترة.
الإنتاج والتصوير
بلغت تكلفة إنتاج مسلسل “شارع الأعشى” حوالي 14 مليون دولار، مما يجعله من أضخم الإنتاجات الدرامية السعودية. تم تصوير المسلسل في مواقع متعددة، منها حي العود الشعبي، الذي اشتهر بمحلات الآلات الموسيقية، وسوق البطحاء، حيث تم بناء سوق يحاكي تلك الحقبة الزمنية. كما تم استخدام موسيقى وأغانٍ من تلك الفترة، مثل أعمال فنان العرب محمد عبده، لإضفاء جو من الحنين والواقعية على الأحداث.
الاستقبال الجماهيري والنقدي
حظي المسلسل بمتابعة واسعة، وتصدر نسب المشاهدة في دول الخليج خلال شهر رمضان. أشاد النقاد بأداء الممثلين، خاصة إلهام علي في دور “وضحى”، وعائشة كاي في دور “نورة أم إبراهيم”. كما تم الثناء على الديكورات والأزياء التي عكست بدقة تفاصيل الحياة في السبعينيات. ومع ذلك، وُجهت بعض الانتقادات للمسلسل، خاصة فيما يتعلق باللهجة المستخدمة، حيث لاحظ البعض عدم إتقان اللهجة النجدية في بعض الحوارات، مما أثر على واقعية العمل.
تأثير المسلسل على شارع الأعشى
بعد عرض المسلسل، ازداد الاهتمام بشارع الأعشى الحقيقي في منفوحة. قام العديد من الزوار والسكان بجولات في الشارع لاستكشاف معالمه التاريخية، مما أسهم في تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي للمنطقة. كما نُشرت مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي تستعرض تاريخ الشارع وأهميته الثقافية، مما زاد من شعبيته وجذب المزيد من الاهتمام الإعلامي.
يظل شارع الأعشى شاهدًا حيًا على تاريخ الرياض وتحولاتها الاجتماعية والثقافية. من كونه موطنًا لشاعر جاهلي كبير إلى أن يصبح محورًا لرواية ومسلسل درامي ناجح، يعكس الشارع تداخل الماضي بالحاضر، ويبرز أهمية الحفاظ على التراث في ظل التطورات الحديثة.